سيرة "البرتقال": القصة التي لا تعرفها وأنت تقشر فاكهتك!
نحن نتعامل مع البرتقال كأمر بديهي؛ نشتريه، نقشره، نأكله، ونمضي. لكن هل تخيلت يوماً أن هذه الثمرة البسيطة تحمل “جواز سفر” مليئاً بالأختام والرحلات التي تمتد لآلاف السنين؟
من جبال آسيا إلى قصور الأندلس
تنبع قصة البرتقال من سلفه “النارنج” المر، الذي ظهر لأول مرة في الهند والصين. شقّت هذه الفاكهة طريقها عبر مسارات التجارة القديمة وصولاً إلى فارس، ومنها احتضنها العالم العربي.
عندما وصل العرب إلى الأندلس، لم يقتصر تأثيرهم على نقل المعرفة والفلسفة، بل جلبوا معهم أيضًا شتلات النارنج. ومنذ ذلك الحين، بدأت رحلة تطور الاسم عبر اللغات:
العربية: نارنج.
الإسبانية: Naranja.
الفرنسية والإنجليزية: Orange.
البرتغال.. اللحظة التي غيرت المذاق
التحول الجذري حدث في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. مع التوسع البحري البرتغالي ووصولهم إلى أعماق آسيا، عادوا بنوع جديد تماماً: البرتقال الحلو. كان أكثر عصارة، وأقل مرارة، وهو النسخة التي نعشقها اليوم.
في منطقتنا العربية، لم يطلق الناس على الوافد الجديد اسم “نارنج”، بل نسبوه مباشرة إلى مصدره: البرتغال.
لماذا “برتقال” بالقاف وليست “برتغال” بالغين؟
قد تظن أن الأمر مجرد خطأ إملائي تاريخي، لكن الحقيقة أعمق من ذلك! تعريب الكلمة تم في بيئة لهجية حية، حيث كانت القاف تُنطق قريباً من صوت (G) (كما في بعض اللهجات الخليجية أو البدوية اليوم). استقر الاسم في الأذن العربية بهذا الشكل، ثم جاء القاموس ليُقنن ما صنعه الناس في حياتهم اليومية.
البرتقال ليس مجرد فاكهة، بل هو مثال حي على كيف تسافر الأشياء. الكلمات، مثل البشر، لا تولد نقية ولا تبقى ثابتة؛ إنها تتكيف وتتغير وتعود محملة بطبقات من التاريخ.
في المرة القادمة التي تمسك فيها برتقالة، تذكر أنك تحمل في يدك ثمرة “عابرة للقارات”، تختصر حكاية التجارة، واللغة، والمغامرات البحرية الكبرى.



